كانت يد رهيبة تقبض على قلبي وتعصره حتى سال الدم كله..لا أتألم ..لكنني أشعر أن قلبي مجعد كقميص خرج من الغسالة للتو ويفكر في المشابك التي ستقرصه بعد قليل وفي صفعات الهواء الباردة جدا بعد حمام ساخن ..يتهيأ لنزلة برد لن تغادره سريعا … ويعطس .!..اليد تزيد من قبضتها وقلبي ينعصر أكثر..ويسقط الماء من عيني ..لم أكن مضطرة لأن أضحك .. لكنني ضحكت بصوت عالى رغم البلل في عيني وصديقي يحكي عن شجاره اليومي ويقلدني وأنا “بايخة جدا” ..يسألني عن سبب ضيقي ..ويقول أن هناك نوعين من الضيق ..نوع إيجابي حين يأتي شخص ما أو شيء ما ويضايقك ..ونوع سلبي حين لا شخص يأتي ولا شيء ليسعدك أو حتى يضايقك ..أخبره أن ضيقي ينتمي للنوع الثاني ..كإجابة سريعة لم أفكر في صدقها ..لكنني أعرف أنها حتى لو كانت كاذبة ..فأنا لم اتعمد الكذب ..وهذا يريحني ..أسأل أحمد عن أكثر مكان يحبه في مصر ..يقول الأسكندرية ..وإجابة مضحكه أخرى ..ويلحقها بـ “هع” ..وأخبره أنني أحب الحسين ..وأرغب بزيارته حالا..تتحول لهجته إلى لهجه جدية ..لا أراها ..لكنني أتخيل أن ضحكته تلاشت ببطء ..وأضاءت النجوم في عينيه وهو يسألني ” زرتي الكعبة قبل كده يا دعاء؟” ..أنفي ..فيقول أن الراحة الأكبر في النظر إليها ..يضع في سلة أمنياتي أمنية جديدة ستبارك حياتي الآتية ..ويتحدث عن رغبته الشديدة في زيارتها..لولا الوباء المنتشر ..كان يتكلم بحب وشوق كبير إليها ..كنت متأكده انه يرى الكعبة أمامه في هذه اللحظة ..وكنت أشعر بالخجل من تخيلها ..ونطقت في نهاية كلامه ” آه” ..كتصديق عليه ..أو كـ نقطة ..لأنني حين أخبرته أنني أحب الحسين لم أكن أقصد “مسجد الحسين” كما فهم هو ..وإنما كنت اعني مقاهي الحسين ..ومحلات الفضة والخزف والتماثيل الصغيرة ..ورائحة البخور التي تمتصها خلاياي فأشعر أنني جمرة منفعلة أشعلتها عجوز طيبة برداء أبيض فضفاض ورشت البخور عليها في صباح الجمعة ..أفكر في “قهوة الفيشاوي” ..وأتذكر زيارتي الأخيرة إليها ..وجلوسي أنا والأصدقاء إلى طاولة نثرثر ونضحك..ونستمتع برائحة الهيل التي تفوح من فناجيل القهوة ..في الزاوية رجل يعزف على عوده بحنين شديد ..لحنه يمزقني ويبعثرني ثم يعيد جمعي على مهل ..راقبته حتى انتهى ..وتفاجأت به وهو يرفع رأسه المائلة إليّ ويبتسم للدمعة في عيني .. حينها اكتشفت أنني بإمكاني أن أعشق رجل يبتسم لدمعتي .. واستغربت جدا لحكاية صديقتي التي كرهت حبيبها ..لأنه ابتسم وهي تسكب دموعها في كفه ..وعرفت فيما بعد أن الفتيات يفضلن رجل يلتزم الحزن حين يبكين أمامه ..وأنا أريد رجل يشرب حزني ويضحك ..!
اليد تخفف من قبضتها الآن وقلبي الضيق كـ نقطة..يتسع ويكبر كـ بالونة عيد ينفخها طفل ويلهو !
3تعليقات
Comments feed for this article
23 سبتمبر 2009 في 1:57 م
رقيّة الحربي
في الساعة التي تقررين فيها المجيء إلى مكة .. عديني أنْ تخبريني ولو بعد مئة عام 🙂
،
مكة حيث أنا لا تشبه أيّ شيء يا دعاء ( جبالها ، آثارها ، شعابها ، حرمُها ، الكعبة ، الصفا والمروة ، أسراب الحمام التي يطعمها الجميع وحرامٌ قتلها أو صيدها ، شعوب العالم بـ[أزيائهم،لهجاتهم،أشكالهم] المختلفة ، البكاء والخشوع والهيبة ، إمام الحرم وصوته ونشيجه ، تقزّم الدنيا أمام تعملق الكعبة !) كلّها مكة شيء روحي يرتفع بكِ طائراً أبيضاً إلى حيث الله .. تتخيلين معي يا دعائي ؟ ..
،
هاتي يدكِ الآن .. فبيتي في مكة مشرّع لكِ .. اعقدي العزم وتعالي أعانقك 🙂
،
اشتقت لهنـا يا صديقتي ( L )
أحبّك أيضاً ^_^
23 سبتمبر 2009 في 8:11 م
Doaa
رقية ..رقية .. رقية
اشتقتك جدا ..اشتقت لوجودك الذي يشبه طعم الجنة ..و بمرورك تزدهر الكلمات وتصبح على ذمة الفرح!
تعليقك حمامة بيضاء طارت إليّ من مكة ..وحطت على كتفي .. توشوشني بأشياء جميلة جدا أعجز عن تخيلها لأنها كثيرة حتى على الخيال… لا أرغب في أي شيء في هذه اللحظة يارقية سوى زيارة أم القرى …شوقتيني إليها كما لم يستطع أحد أن يفعل.!
إن أتيت يوما سأخبرك … وهذا وعد.
أحبك جدا وجدا وجدا.
31 ديسمبر 2016 في 11:51 ص
ayya
اسم المكان “إياب”..
ما بالنا يا دعاء في الوقت الذي نظن فيه أننا نحن من يغالب الحياة نكتشف أنها هي التي تعاركنا في الوقت الذي تريده، في المكان الذي تقرره، بالطريقة التي تشاؤها.
هل الغلبةُ أن تكون أنتَ البادئ في الصراع أم المتقبل له؟ هل النصر أن تكون “الفعل” أم “ردة الفعل”؟ أم أنه لا نجاح في كل هذا بل نحن نهذي ونظن أننا نفهم في الوقت الذي نحن في الحقيقة فيه لا نفهم؟ أم أنني أسأل الأسئلة الخطأ أساسا؟
اخ، يا عودة السؤال البعيد جدا عن التقرير!
حبي أنتِ، حبي جدًا..