165848340_5f56b2f1c0

كانت يد رهيبة تقبض على قلبي وتعصره حتى سال الدم كله..لا أتألم ..لكنني أشعر أن قلبي مجعد كقميص خرج من الغسالة للتو ويفكر في المشابك التي ستقرصه بعد قليل وفي صفعات الهواء الباردة جدا بعد حمام ساخن ..يتهيأ لنزلة برد لن تغادره سريعا … ويعطس .!..اليد تزيد من قبضتها وقلبي ينعصر أكثر..ويسقط الماء من عيني ..لم أكن مضطرة لأن أضحك .. لكنني ضحكت بصوت عالى رغم البلل في عيني وصديقي يحكي عن شجاره اليومي ويقلدني وأنا “بايخة جدا” ..يسألني عن سبب ضيقي ..ويقول أن هناك نوعين من الضيق ..نوع إيجابي حين يأتي شخص ما أو شيء ما ويضايقك ..ونوع سلبي حين لا شخص يأتي ولا شيء ليسعدك أو حتى يضايقك ..أخبره أن ضيقي ينتمي للنوع الثاني ..كإجابة سريعة لم أفكر في صدقها ..لكنني أعرف أنها حتى لو كانت كاذبة ..فأنا لم اتعمد الكذب ..وهذا يريحني ..أسأل أحمد عن أكثر مكان يحبه في مصر ..يقول الأسكندرية ..وإجابة مضحكه أخرى ..ويلحقها بـ “هع” ..وأخبره أنني أحب الحسين ..وأرغب بزيارته حالا..تتحول لهجته إلى لهجه جدية ..لا أراها ..لكنني أتخيل أن ضحكته تلاشت ببطء ..وأضاءت النجوم في عينيه وهو يسألني ” زرتي الكعبة قبل كده يا دعاء؟” ..أنفي ..فيقول أن الراحة الأكبر في النظر إليها ..يضع في سلة أمنياتي أمنية جديدة ستبارك حياتي الآتية ..ويتحدث عن رغبته الشديدة في زيارتها..لولا الوباء المنتشر ..كان يتكلم بحب وشوق كبير إليها ..كنت متأكده انه يرى الكعبة أمامه في هذه اللحظة ..وكنت أشعر بالخجل من تخيلها ..ونطقت في نهاية كلامه ” آه” ..كتصديق عليه ..أو كـ نقطة ..لأنني حين أخبرته أنني أحب الحسين لم أكن أقصد “مسجد الحسين” كما فهم هو ..وإنما كنت اعني مقاهي الحسين ..ومحلات الفضة والخزف والتماثيل الصغيرة ..ورائحة البخور التي تمتصها خلاياي فأشعر أنني جمرة منفعلة أشعلتها عجوز طيبة برداء أبيض فضفاض ورشت البخور عليها في صباح الجمعة ..أفكر في “قهوة الفيشاوي” ..وأتذكر زيارتي الأخيرة إليها ..وجلوسي أنا والأصدقاء إلى طاولة نثرثر ونضحك..ونستمتع برائحة الهيل التي تفوح من فناجيل القهوة ..في الزاوية رجل يعزف على عوده بحنين شديد ..لحنه يمزقني ويبعثرني ثم يعيد جمعي على مهل ..راقبته حتى انتهى ..وتفاجأت به وهو يرفع رأسه المائلة إليّ ويبتسم للدمعة في عيني .. حينها اكتشفت أنني بإمكاني أن أعشق رجل يبتسم لدمعتي .. واستغربت جدا لحكاية صديقتي التي كرهت حبيبها ..لأنه ابتسم وهي تسكب دموعها في كفه ..وعرفت فيما بعد أن الفتيات يفضلن رجل يلتزم الحزن حين يبكين أمامه ..وأنا أريد رجل يشرب حزني ويضحك ..!

اليد تخفف من قبضتها الآن وقلبي الضيق كـ نقطة..يتسع ويكبر كـ بالونة عيد ينفخها طفل ويلهو !

لحن .. ودمعة .. وابتسامة !