You are currently browsing the monthly archive for ديسمبر 2009.

 

الثالثة والنصف بعد منتصف ليل يمضي بطيئا جدا كأنه كهل بساق مكسورة و عصا ضائعة .. وهي وحدها .. تحاول مد يدها لتساعده على المشي أسرع قليلا .. تغمض عينيها وتدعي النوم ..لا تفكر بأي شيء ..تمر ساعة ولازالت تدعي .. تستسلم لصحيانها وتحاول أن تتسلى لتنسى النظر في الساعة كل دقيقة ..تتذكر مصطفى محمودفي كتابه الأحلامالذي أنهته من بضع ساعات حين قال : “أحسن تسلية تضيع بها وقت فراغك أن تجلس وحدك في عزلة وتغمض عينيك وتتذكر العواطف التي شعرت بها وكل الدوافع التي تأرجحت بينها وكل الأفعال التي أتيتها والكلمات التي قلتها والنيات التي أخفيتها ثم تحاول أن تصل لحقيقتك وستجد أن حقيقتك ستدهشك وتفاجئك كأنها حقيقة رجل آخر لا تعرفه” ..تغمض عينيها وتبحث عن الفتاة الأخرى في داخلها .. تكتشف أن الليل الكهل يمضي في قلبها .. وليس ثمة مصباح يساعدها في البحث.. هذا بجانب أن الفتاة الأخرى لا تقف في منتصف طريق وتصيح ها أنا ذا !” ..وإنما تختبىء في طرقات ضيقة وأزقة وكلما سمعت وقع خطواتها تقترب منها ركضت لأماكن أضيق وأبعد لا تطالها الأولى .. شعرت أنها تركض داخلها و رئتيها تلهث ..توقفت بيد تستند على جدار ويد أخرى على قلبها الذي يدق كثيرا وجذعها ينثني إلى الأمام من التعب .. هذه اللعبة لا تسليها وإنما ترهقها وتستنزفها ..والفتاة الأخرى بعيدا تضحك وتكركر.. لعنت مصطفى محمود ولعنت الكتاب بأكمله.. ذكّرت نفسها أنها رغم إعجابها الشديد بهذا الكتاب إلا أنها كرهته بشدة أيضا ..لأنه قال :”المرأة كمية مهملة حتى نحبها ..فتوجد ..وفي الحقيقة نحن لا نحبها لذاتها وإنما نحب الوهم الذي صنعناه منها “!!! ..كرهته جدا حين قرأت هذه الجملة و أزاحته بعيدا عنها رغم أنها كانت قبلها تتلهف لإكماله فكانت تقرأ فصلا من أوله وآخرا من آخره بحماقة أنها هكذا ستنهيه أسرع.. هذه الجملة جعلتها تراجع كل السطور التي قرأتها لتكتشف أنها موجهة إلى الرجل فقط .. حتى في هذه الفقرة التي جعلتها تتذكر الكتاب الآن قال :”حقيقة رجل آخر لا تعرفه” …وأنه حين تحدث أخيرا عن النساء تحدث بطريقة أغاظتها جدا وأحرقت دمّها :”الكراسي والأشجار والحيوانات والنساء والفواكه تظل أشياء لا معني لها حتى نطلبها ونشتهيها ونجري وراءها فتنبض بالحياة والأهمية ” !!!! حتى حينما تحدث عن الطفولة فإنه تحدث عن الطفل الذكر ولم يتحدث عن الطفلة الأنثى على الإطلاق .. وروعة الكتاب وفلسفته العميقة وأسلوبه البسيط والساحر لا يشفع له نهائيا هذا الموقف ضد المرأة وإنما يسيء إليه أكثر لأنه كون رجل على هذا القدر من العقل والذكاء والحكمة والثقافة والوعي ويعتبر المرأة مجرد رغبة وشيء يشتهيه الرجل لا أكثر.. ويؤكد على هذه الفكرة طوال الصفحات كأن العالم فرغ من كل ما به إلا هذه الرغبة فهذا مخزي جدا ولا يُحتمل !

الرابعة والليل العجوز لا يمضي وإنما يجلس ليستريح بين دقيقة وأخرى ..نهضت من سريرها ..توضأت ..و صلّت ثم جلست في مكانها قليلا..شعرت بالبرد يخترق عظامها وملابسها الخفيفة ….وتعطس ..وضعت على كتفيها شال صوف وأدارت التلفزيون .. قلّبت القنوات عن ضجر ..أفلام..مسلسلات ..أغاني ..برامج تافهة جدا ..أخبار تعيد نفسها ..ملل ..ملل..ملل ..أغلقته سريعا و عادت لسريرها ..أخرجت الرواية من أسفل الوسادة .. “اليزابيث كوستلّولـ كوتسي” .. أول عشرين صفحة..تبدو ممتعة وتحمل طابع فلسفي مثير ..تتذكر أنها اشترتها لهذا السبب .. لأنها تريد مؤخرا أن تدرس الفلسفة .. وكل ما يخيفها أن تصبح فتاة منبوذة يكرهها أصدقائها لأنها صارت تفلسف كل الأشياء وترى الحياة من خلف نطارتها السميكة ذات الحواف السوداء ..وتنطق في حديثها كلمات صعبة و دمها ثقيل كـ الدنكوشوتية والأبيقورية والرواقية واليوتوبيا والبراجماتية والايغوسنترية ..” وتتحدث عن فرويد وسارتر ومانويل كانت و كولهر ..تطمئن نفسها أنها ستجعل كل هذا سرا ..وأنها ستدرسها فقط لتفهم العالم والحياة ونفسها ولن تخبر أحد ..لازالت تقرأ الرواية والليل الشيخ يكاد يصل إلى المسجد المجاور ليؤذن الفجر .. ربما نسي عصاه هناك عقب صلاة العشاء .. ستدعو كثيرا أن يجدها .. لأنها تعبت من إسناده كي يمشي أسرع دون فائدة ستستريح قليلا .. ربما تنام !

 

ساكنة جدا .. كريح احتبست في رئة ميتة ..رأيتها ..تصعد سلالم المستشى ببطء ..تبحث عن قسم القلب بحيرتها الأولى .. تود لو تسرع لأن الثقوب السوداء في قلبها تتسع كثيرا ..لكنها تمشي بالبطء ذاته ..لماذا تفعل هذه المرة ما توده ..وهي تتجاهل كل رغباتها منذ فترة ليست قصيرة لأنها ترغب فقط في تجاهلها ..”غباء !” ..تصل أخيرا لرفاقها ذوي القلوب الضعيفة .. الطلبة تلتف حول الدكتور وهو يشرح على احدى الرفاق .. يتكلم بسرعة ..يبتسم بين الجمل ..الطلبة يبادلونه الابتسام ..وهي تخجل من أن تبتسم في حضرة كل هذا الألم .. التأوهات تملأ العنبر .. تملأ المستشفى .. تملأها ..تشطرها نصفين .. نصف يتعذب من أجلهم .. ونصف يحسدهم لأنهم بإمكانهم رتق الثقوب بالآه .. أما هي فتمضي .. لا تتأوه .. لا تضع يدها على قلبها .. لا تدثره من البرد الذي يأكله كحبة فراولة .. تعرف أنه سليم تماما ..ولن يرتبك في الشاشات الكثيرة ..لكنها تتيقن من كونه مليء بالثقوب الصغيرة التي تضيق حتى تختفي في النهار وتتسع كثقب الأوزون في الليل حتى يصير بإمكانها أن تبتلع الكون دون غصة .. ينتهي الدكتور من الشرح .. تغادر مع بقية الطلبة إلى قاعة الراوند .. تعيش أكثر لحظات يومها غربة بين فتيان وفتيات فشلت طوال أربع سنوات مضت في معايشتهم ومجاراتهم كـ رفاق !.. تجلس بوحدتها الأولى والثانية والثالثة واللانهائية ..ساكنة جدا .. الأغنية في أذنها تتشكل على وقع النبض .. تلائم قلبها تماما ..تعدد “forty one ways to die” ..تقاطع ذراعيها على الديسك أمامها ..تلقي برأسها فوقهما .. تغمض عينيها .. لا ترى عالمهم .. تتمنى و تتمنى لو لا يراها بدوره .. تصدق أن هذا حدث .. ورغم الموت الذي ينساب داخلها بواحد وأربعين طريقة .. تخترقها أحاديث الفتيات كأسهم شاردة .. كـ “وليام تيل” فاشل يقتل ابنه بكل الطرق ..ثم يجلس بجواره يقضم التفاحة ..احداهن تشتكي أن رأسها سيحترق لكثرة الكتب التي قراتها .. تجيبها الأخرى أنها لا تمتلك صبرا تقرأ به ” ميكي ماوس” ..تغيظها الأولى ..لا تأبه  للأخيرة .ترفع رأسها لذات الرأس المحترق ..تمسك في يدها كتابا ..لا تستطيع أن ترى العنوان .. تكتشف طريقة ثانية وأربعين للموت ..تشبّ بجسدها ..تفشل مرة أخرى ..تخرج من سكونها أخيرا وتسأل ذات الرأس المحترق ا أن تريها إياه ..تناوله لها بود ..”لعنة الفراعنة …. أنيس منصور” ..ترتاح و تعيده إليها..تعود لسكونها .. حسنا ..هي تحب أنيس منصور ..ولكن الفراعنة بلعناتهم لا يستهوها كثيرا..ينتهي الراوند .. تغادر بالبطء ذاته .. وبعد ارهاق طويل على مكاتب الموظفين من أجل امضاء وطابع ودمغة ..تعود لبيتها .. أمها تشاهد برنامج ديني بعين دامعة .. تسألها عن سبب دموعها قبل أن تنتبه للبرنامج .. فتجيب أنها تحلم لو كانت أفضل .. تدخل غرفتها وهي لا تفكر بحال أفضل لنفسها .. تتكور على السرير كجنين ..ساكنة جدا .. والريح في صدرها تتحول لاعصار … في حالتها هذه تستطيع تشكيل كلمات كرماح وأسهم ..تصوبها كيف تشاء .. اجتماع ما يتضاد يؤلم كثيرا .. عليها الانتظار حتى ينصهر أحدهما !

لأنني صرت لا أفكر إلا بك ..ولا أكتب إلا عنك ..ولا أحلم إلا بك .. ولا أنطق إلا اسمك ..حد أنني حين أردت اليوم شيئا ما من أخي الذي كان يقف على مسافة مني تجلس فيها بقية أسرتي و ناديته بصوت عالِ.. وجدتني أهتف بإسمك ! ..الجميع يحدق بي بنظرات مشدوهة وحواجب مرفوعة وأنا أرجو كل ساحرات دلفي أن تخفيني لهذه اللحظة فقط وإن كنت أعلم أنني حتى لو اختفيت سيبقى الدخان المتصاعد من الفحم الذي احمر في وجهي خجلا ولم ينطفىء حتى الآن !

لأن صوتك صار خبزي اليومي .. ولأن الصباحات لا تصبح إلا به .. والمساءات لا تمسي إلا عنده .. وأي يوم دون هذا هو ورقة ذابلة سقطت من شجرة عمري فتكسرت وبعثرها غيابك لغبار لا يبقى منه شيء .. ولأنني لم أسمع صوتك اليوم سوى لأربعين ثانية فقط ..فأنا أتضور من الجوع !

لأنني حين وقفت هذا الصباح في إدارة المرور لاستخراج الرخصة أخيرا و وقف بجانبي شاب لم أر وجهه .. تمنيت وتمنيت لو كان أنت ..وحين رفعت وجهي إليه انتابني احباط شديد لأنه لم يكن أنت ..ولم يكن حتى يشبهك ..ولا يشبه الدم في قلبي ..وإن كنت اعرف مكانك لحظتها تحديدا إلا أنني حقدت عليك لأنك لست معي ولا تقف بجواري ..ورددت داخلي :”أحبك بحقد شديد !”

لأنني صرت أعد الأيام بين كل لقاء وآخر ..والساعات بين كل مكالمة وأخرى ..والدقائق والثواني .. وحين أفتقدك جدا ..أحوّل الأيام إلى ساعات ..والساعات إلى دقائق والدقائق إلى ثواني وأنظر طويلا إلى الناتج فأضع يدي على قلبي وأحضر ورقة بيضاء أكتب فوقها …أحبك …أحبك …أحبك … أحبك … حتى آخر الرقم وحين أشعر أنني أخيرا سأنتهي _أو أتوهم هذا_..تفاجئني ساعات أخرى ودقائق أخرى وثواني أخرى وغياب آخر و اشتياق فوق طاقة كل الورق على الامتلاء لكنه يملأني ويملأني ويملأني ..!

لأنني حين قررت أمس شراء “بلوزة” بنفس نقشة و ألوان كنزتك الصوفية ذات الأبيض والرصاصي وأخبرت أختي عن السبب منعتني وقالت :”هيمشي مع صاحبه؟!”..لكنني لم أرد وقتها أن أكون “صديقك” ولا حتى حبيبتك..وإنما ..”أنت” آخر !

لأنني رجوتك في البدايات :”لا تحبني أكثر كي لا أجن بك !” ..ولأنني في هذه اللحظة أكاد أن أجنّ بك .. قررت أن أحبك جدا .. إلا قليلا !

ترقص؟ _ أرقص _ غصب عني _ غصب عني أرقص !

شباك تذاكر الزوار

  • 139٬971 hits

محمود درويش:

إذا انحنيت .. انحنى تل وضاعت سماء ولا تعود جديرا بقبلة أو دعـــاء

أحن إلى خبز أمي ..وقهوة أمي ..ولمسة أمي

وأعشق عمري لأني إذا مت أخجل من دمع أمي ..

For connection

doaa.sh3ban@yahoo.com

الراقصين حاليا !

ألحان شاردة !

free counters